كان الجميع منشغلون في مراسم وداعك مرت جنازتك في سكونٍ مهيب انحنت لك الشوارع وأشجار النخيل الشامخة بكتك بنات الحي وعجائز المدينة التي لا تصمت عن ذكر سيرتك .
تلحف وجهي بالصمت وأرتدى جسدي قطعاً عديدة سوادها موحش موغل في الظلام ، غبت هكذا بهدوئك المعتاد وخبأت صوتك بين الأضلاع التي تبكيك نحيباً .
رحلت دون وصية وتركتني أقف خلف أحراش المزارع التي غاب عنها غناؤك لي ولطيورها التي تتراقص حولنا كل مساء .
لقد كسرت عزلة القرية وجمعتهم قبل المغيب واكتمل المشهد حينما رفعتك الكفوف مهلله مكبره كنت متواضعاً في ردائك الابيض الذي زادك جمالاً وهيبه .
بعد مدة في صدفة تلاقينا ..صارت إيديني بيدينك
ما دريت أن حبنا مع الأيام بيجمعنا .. وما دريت أن ألايام في يوم بتخدعنا ..
الأيام تمر بسرعة كنا صغاراً نتشاجر بشكل مستمر جسدك الأطول مني كان يخيفني وشراستك معي كانت تجعلني لا أحب الأقتراب منك ، كنت أستشيط غيظاً من بنات الحي الكبيرات وأعجابك بثيابهم الضيقة ،في أحد الأيام سألت ُ أمي : متى سيصبح لدي نهدين صغيرين حينها ضحكت أمي كثيراً ذلك اليوم وأخذت تخبر من تقابلها عن سؤالي وأنا أكملت بقية أحلامي ورسمتك فارساً أكتب له رسائل غرام يدونّ أسفلها قلب أنشطر إلى نصفين ، في كل صباح كنت أنتظر نظراتك تودعني قبل أن تدور عجلات باص المدرسة .
كيف لي أن أنسى وجهك ؟
وتقاسيم ضحكتك ؟
وذلك الوعد ؟
رأيتك تمشي متجهاً نحو تلك الأسقف المنخفضة التي صنعت بدقة عالية لتمتد عليها أغصان أشجار العنب بشكل منتظم ، في البداية ظننتك تمارس هوايتك المعتادة وانك تحب ان تختلي بنفسك حيث لا يراك أحد ، كنت قريباً مني عيناك السوداوان أشارت لي بالأقتراب أكثر كنت تبكي !!!
لم أحتمل ذلك المشهد ( محمد ) الذي أخشاه دائماً يبكي ؟ لم يفرحني ذلك أبداً أمسكت بذراعي وتسللنا خلسةً تحت عناقيد العنب المتدلية وكأنها أجراس خضراء ستقرع فرحاً بقدومنا ، لأول مرة لا أخاف منك ولأول مرة تجاهلت نداء أمي وبحثها عني ، لأول مرة أقترب من هذا المكان ، كنت ترتعد وجسدك منهك جداً ،كان للموقف رهبة لا توصف ففجاة أصبحت صبيه تعشقك بكل مافيك ، وفجاة أصبحت رجلاً ولكنه يبكي أخذت تتجرد من ثيابك المتسخة ولم يبقى سوى ما يستر جزئك السفلي ، لم استطيع أن أكتم شهقتي فالماكث أمامي جسداً ينزفُ دماً !!
من أين أبدأ ؟ وكيف أداوي تلك الجروح ؟ وكيف أخفف من حرارة هذا الجسد المحموم؟ أمسكت بكفي وجعلته يلامسها بهدوء كنتُ كقطة ثلج تذوب في صفيح ساخن حد الغليان .
كررت شتائم كثيرة لا أفهم جلها وجهتها لأخيك الأكبر وللمجتمع من حولك كنت غاضباً كالبركان ، توعدت بأن تحرق نفسك بالف سيجارة وستفعل ما تشاء دون خوف ، لم أهتم بالتفاصيل الدقيقة كنت منشغلة بتلك الجروح التي أحدثتها عصى ضخمة كما يبدو لي ، وحملتها يد أنتفضت الرحمة من عروقها . بللت شالي الأسود بماءٍ بارد يركدُ في البركة التي تغذي أحراش العنب ووضعتها على جسدك .
هدأت قليلاً والتزمنا الصمت حينما كان صوت أمي يكرر أسمي عالياً وللمرة الثانية تجاهلته وبينما كان أسمي يلامس أوراق العنب همس في أذني ( أحبش ) لترقص العناقيد التي لم تنضج بعد وعانقتنا خيوط الشمس المتسربة كقطع ذهبية تتساقط من السماء .
وتقترب السنوات الأخيرة من الحلم بعدما أندملت جروج بقايا السجائر لتشتعل سجائر أخرى وعقاقير وانواع عديدة جعلت محمد أكثر وهناً وأكبر ناكثاً للعهود .*
*
مدمن مخدرات
مجهود تشكرون عليه..مبدعون وربكم
ردحذفغيووم
عندما تتجسدالاحزان كشهقات متعاليه وتنساب الدموع كشلالات متلألأة اعلمي
ردحذفبأنك وصلت الى الاعماق بشفافيتك
وعندما يكون الابداع لوحة فنية وتكون الريشة بيد رسام مبدع يعجز القلب واللسان عن التعبير عن مدى روعتها لانه سيكون انتقاص لها
قمة الابدااااع
دموع الشموع